وضع تشافي هرنانديز خلفه الإصابات واستعاد مستواه الرائع من أجل أن يضيء الطريق أمام فريقه برشلونة لاكتساح غريمه التقليدي ريال مدريد بخماسية نظيفة في "كلاسيكو" الدوري الأسباني، مؤكدا أنه العقل المفكر الذي لا يمكن الاستغناء عنه على الاطلاق إن كان في كتيبة مدربه جوسيب جوارديولا أو في المنتخب الوطني المتوج بلقب بطل العالم بفضل مساهمته القيمة.
"أنا قلت سابقا، عندما لا يكون تشافي متواجدا، فطريقة لعبنا تكون مختلفة"، هذا ما قاله المدافع الفرنسي في برشلونة إيريك آبيدال عن زميله تشافي الذي دائما ما يترك لمسته في الفريق الكاتالوني الذي تربع امس على صدارة "الليجا" بعد فوزه الكاسح على غريمه الملكي.
من المؤكد أنه لا يمكن لأحد الإنكار بأن الارجنتيني ليونيل ميسي أو دافيد فيا هما نجمان من العيار الثقيل في النادي الكاتالوني وأن بامكانهما أن يغيرا مجرى أي مباراة بلمحة فنية أو تسديدة ماكرة، لكن ليس بامكان أحد أيضا أن ينكر فضل تشافي وشريكه الرائع آندريس إنييستا على برشلونة والمنتخب الأسباني على حد سواء، إذ إنهما رئتا النادي الكاتالوني و"لا فوريا روخا" وهما أثبتا خلال الموسمين المنصرمين أنهما القلب النابض الذي يضخ الدم إلى عروق المهاجمين.
لا يمكن تحديد أهمية تشافي بتمريراته البسيطة والسلسة والمتقنة وحسب، بل أن الذكاء الذي يتمتع به هو ما يميزه عن لاعبين آخرين.
"انتصار أسبانيا مرده إلى تبنيها فلسفة تمرير الكرة، ولأن لعبي يعتمد على هذه الفلسفة فقد نلت هذه الجائزة"، هذا ما قاله تشافي بعد اختياره أفضل لاعب في كأس أوروبا 2008 اثر قيادته منتخب بلاده للفوز على المانيا 1-0 في النهائي.
لكن لاعب الوسط الذي يقوم بصناعة الألعاب في صفوف برشلونة منذ أكثر من عقد من الزمن، ليس مجرد ممر جيد للكرة فحسب، فإلى جانب رؤيته الثاقبة وخياله في وسط الملعب، فإن تشافي يبذل جهودا خارقة ولا يتردد بالواجب الدفاعي أيضا ويستطيع أن يشغل أي مركز في وسط الملعب، وهو قارىء جيد للعبة ويمتاز بتسديدات قوية ودائما ما يساهم بكثير من الأهداف لفريقه، يجيد تسديد الكرات الثابتة، ويستطيع التأثير كثيرا على زملائه أكان في برشلونة أو في صفوف منتخب بلاده.
ويتحدث تشافي عن نفسه قائلا "أنا مولع بالابداع في كرة القدم، شأني في ذلك شأن كرويف، نحن نحب هذا النوع من كرة القدم الهجومية والجذابة والجميلة، عندما تربح بهذه الطريقة يكون الرضا مضاعفا".
يمثل تشافي (30 عاما) اللمسة السحرية والايقاع والرؤية في فريقه الذي يعج بنجوم العيار الثقيل، كما أنه دائما ما يجد طريقه إلى الشباك كما فعل أمس أمام ريال مدريد عندما مهد الطريق لفريقه بافتتاحه التسجيل في الدقيقة 10 بعدما توغل في المنطقة من أجل تلقي التمريرة البينية المميزة من توأمه الكروي انييستا ووضع الكرة بتسديدة "ساقطة" بعيدا عن متناول ايكر كاسياس.
ثم عاد رقم 6 لممارسة دوره كصانع ألعاب عندما مرر الكرة إلى فيا الذي عكسها بدوره إلى منطقة الجزاء، حيث الشاب بدرو روديجيز فأودعها الأخير الشباك في الدقيقة 18.
خرج تشافي من مشاركته الحادية عشرة في مباريات الـ"كلاسيكو" بهدف وتمريرة حاسمة، لكن القيمة الحقيقية لهذا اللاعب ليست محصورة بالأرقام بل بالمجهود الذي يقوم به والاحباط الذي يتسبب به في صفوف لاعبي الفريق الخصم، وهو الأمر الذي حصل أمس للاعبي وسط ريال مدريد تشابي ألونسو والألماني سامي خضيرة اللذين وجدا نفسهما عاجزين تماما أمام تشافي وزميليه في خط الوسط انييستا وسيرجيو بوسكيتس.
كان عام 2010 مميزا جدا لتشافي لأنه أصبح الآن اللاعب الذي فاز بكل شيء: كأس العالم وكأس أوروبا وكأس العالم للأندية ومسابقة دوري أبطال اوروبا والدوري الأسباني والكأس الأسبانية وكأس السوبر الأوروبية وكأس السوبر الأسبانية.
وقد تكون جائزة الكرة الذهبية لافضل لاعب في العالم الهدف المقبل والمرتقب بالنسبة لتشافي، لكن الفوز بهذه الجائزة المرموقة التي ادمجت بجائزة الاتحاد الدولي لأفضل لاعب، ليس مضمونا لكن الامر المؤكد هو انه سيكون بين افضل ثلاثة لاعبين.
وسيواجه تشافي منافسة من زميليه انييستا وميسي اضافة الى الهولندي ويسلي سنايدر الذي قاد انتر ميلان الايطالي إلى ثلاثية الدوري والكأس المحليين ومسابقة دوري ابطال اوروبا الموسم الماضي، إضافة إلى مساهمته في وصول منتخب بلاده إلى نهائي مونديال جنوب افريقيا 2010.
وحتى أن ميسي اعتبر ان زميليه تشافي وانييستا هما اللاعبان اللذان يستحقان الفوز بجائزة الكرة الذهبية التي ستمنحها مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية هذا العام مشاركة مع الاتحاد الدولي لافضل لاعب في العالم، بعد ان كان كل طرف يقدم جائزة منفردة.
وقال ميسي الذي فاز بهذه الجائزة الموسم الماضي "انا متأكد من ان كأس العالم سيكون لها اثر كبير في القرار النهائي هذا العام، سوف تصب في مصلحتهما، وإذا لم أفز أنا بها، اتمنى من كل قلبي أن يفوز بها أحد زملائي في برشلونة".
وتابع "إن إسمي تشابي وانييستا يظهران في كل النتائج، والحقيقة إنهما رائعان بالفعل، انهما لاعبان عظيمان يستحقان الجائزة أكثر من أي شخص آخر".
ولعب تشافي الذي تعافى من الإصابة التي تعرض لها في أوائل اكتوبر/تشرين الأول وابعدته عن مباراتي منتخب بلادده في تصفيات كأس اوروبا 2012، دورا حاسما إلى جانب انييستا في قيادة المنتخب الأسباني إلى لقب بطل كأس العالم للمرة الأولى وقد توج الثاني مشاركته المونديالية المميزة بتسجيله هدف الفوز على هولندا بعد التمديد في المباراة النهائية.
عاد تشافي الى فريقه في 17 اكتوبر/تشرين الأول بعد أن كسب "معركته" مع الإصابة بحسب التصريح الذي ادلى به في تلك الفترة، وكانت عودته في مباراة حامية امام فالنسيا ساهم خلالها في قيادة فريقه إلى الفوز 2-1 بتمريره كرتين حاسمتين، وهو أعلن استعادته للياقته الكاملة في 30 الشهر الماضي بعد قيادته النادي الكاتالوني لفوز كاسح على اشبيبلية 5-0.
"أنا متفائل حيال إمكانية اللعب في كل مباراة، لكن هذه المسألة مرتبطة بحجم الأوجاع"، هذا ما قاله تشافي الذي كسب معركته الأولى مع الإصابة ثم كسب معركته الثانية مع مدرب ريال مدريد البرتغالي جوزيه مورينيو عندما رفض الدخول في مشادات اعلامية مع الأخير والرد عليه في أرضية الملعب بأفضل طريقة ممكنة.
تشافي فرض نفسه الرقم الصعب واللاعب الذي لا غنى عنه في صفوف فريقه منذ ان تدرج في صفوف اكاديمية برشلونة في حقبة المدرب الهولندي الشهير يوهان كرويف وفريق الاحلام، وهو سار على خطى الرجل الذي كان ملهما لذلك الفريق وهو مدربه الحالي في النادي الكاتالوني بيبي غوارديولا.
في الواقع، تشافي هو الذي حل مكان جوارديولا المصاب موسم 1999-2000، وكان جاهزا للحلول مكانه بصورة دائمة عندما انتقل الاخير الى الدوري الايطالي.
ومنذ ذلك الحين، ومهما كانت هوية المدرب الذي اشرف على برشلونة، فان تشافي كان الاسم الاول على لائحته، ومهما كانت فلسفة مدرب برشلونة فانه لم يجد لاعبا مثل تشافي القادر بلمحة ان يمرر كرة متقنة باتجاه زميله او الخروج من موقف حرج بفضل استحواذه الرائع على الكرة او حتى رغبته في تأمين الحماية لرباعي خط الدفاع.
انضم تشافي الى صفوف برشلونة منذ أن كان في الحادية عشرة من عمره وبقي وفيا للفريق الكاتالوني وعلى الأرجح سيبقى في صفوفه حتى نهاية مسيرته بفضل الدور الذي يلعبه في صفوف أحد أعرق الأندية الأوروبية.